منذ بدأتُ إعداد وتقديم برنامج "هموم الناس" على قناة عدن الفضائية ، اعتدتُ أن أكون صدىً لأصوات المعذبين، ومرآةً لوجوهٍ أكلها الهمّ وأرهقها الفقر والمرض ، تصِلني رسائل يومية واتصالات لا تنقطع ، معظمها من أناس ضاقت بهم الحياة ، يبحثون عن نافذة أمل ، عن يد تمتد إليهم ولو بالكلمة.
لكن في في مساء الأربعاء ال١٤ من مايو ٢٠٢٥م ، وصلني اتصال لم يكن كغيره ، صوتٌ خافت، يجرّ كلماته جَرًّا وكأنها أثقل من أن تُقال ، قال لي بصوت نازف "أنا من داخل السجن المركزي... لي ثمان سنوات محكوم بالإعدام في قضية قتل.
توقعت أن يطلب العفو أو يستنجد بالرحمة ، لكن المفاجأة كانت صادمة.
قال لي "أتوسل إليك... ساعدني في تسريع التصديق على الحكم... أريد أن يُنفّذ الإعدام فيّ فورًا.
صمتُّ.
ترددتُ بين الشفقة والذهول
"لماذا؟" سألته "أتشتاق للموت إلى هذا الحد؟!"
تنهد تنهيدة من يعبر صحراء بلا نهاية ، ثم قال:
"يا أخي، تعبنا... ثمان سنوات في السجن، من له وساطة يُعدم بسرعة ، ومن لا يملكها يُترك هنا يُبلع الزمن... لا نعيش ولا نموت. سجن مؤبد بلا قرار."
كلماته كانت كالسكاكين ، تقطع شيئاً في داخلي.
قلت له: "أنا لا أتمنى لك الموت ، بل التنازل من أولياء الدم، والخروج سالمًا."
رد بصوت فيه انكسار الأمل: "إن شاء الله... وإن لم يكن ، فلا تؤخروا موتي
أنا حاولت... توسّطت بأسماء لها ثقل، لكن لا مجيب.
أنهى المكالمة ، وبعد دقائق ، وصلني منه رسالة يؤكد فيها اسمه ، ويكرر رجاءه بأن أساعده في تنفيذ الإعدام... لا تأجيل ، لا تأخير... فقط موت ينهي كل هذا الانتظار.
جلستُ مذهولًا...
أتساءل في صمتٍ موجع
ما الذي يدفع إنسانًا لأن يُنادي بالموت؟
هل هو تأنيب ضمير لا يغادره؟
أم ندم ثقيل يستحيل احتماله؟
أم أن هناك شيئاً أشد قسوة من الموت ، يسكن في السجون، يُدعى "النسيان"؟
تعليقات
إرسال تعليق